يُشيرُ الواقع إلى ارتفاع عدد الوفيات الناجمة عن حوادث العمل في فرنسا، حيث تُعدّ هذه الظاهرة “ضخمة” بحسب وصف العديد من الجهات.
وتُشير الإحصائيات إلى أنّه خلال عام 2023، لقي 1465 شخصًا حتفهم في حوادث مرتبطة بالعمل، ممّا يُمثل ارتفاعًا بنسبة 0.9% عن عام 2022.
وللأسف، فإنّ الشباب هم الفئة الأكثر عرضةً للخطر، حيثُ أنّ 26% من ضحايا حوادث العمل في عام 2023 كانوا دون سنّ 30 عامًا.
ويعود ارتفاع عدد الوفيات في فرنسا إلى عوامل متعددة، تشمل:
شغل وظائف ذات مخاطر عالية: يميل الشباب إلى العمل في وظائف ذات مخاطر عالية، مثل البناء والزراعة والصناعة التحويلية، ممّا يُعرضهم لخطر أكبر للإصابة بحوادث العمل.
قلة الخبرة: قد يفتقر الشباب إلى الخبرة اللازمة للتعامل مع مخاطر العمل بشكلٍ آمن، ممّا يجعلهم أكثر عرضةً للحوادث.
العمل لساعاتٍ طويلة: قد يضطرّ الشباب إلى العمل لساعاتٍ طويلة، ممّا يُؤدّي إلى التعب والإرهاق، ممّا يُقلّل من قدرتهم على التركيز واتّخاذ قراراتٍ سليمة أثناء العمل.
يُجسّد ماتيو ليبين، من خلال صفحته على موقع الاكس، دور حارسٍ لذكرى ضحايا العمل في فرنسا،ويعطي ازدياد عدد الوفيات، حيثُ يُحرص على نشر أخبار حوادث العمل القاتلة بشكلٍ يوميّ، مُسلّطًا الضوء على حجم هذه “المأساة” التي تُخيم على حياة العديد من العمال وعائلاتهم.
تُشكّل منشورات ماتيو رحلةً مُؤلمةً عبر حكايات العمال الذين فقدوا حياتهم في أماكن عملهم، تاركين خلفهم عائلاتٍ مفجوعةً وأحلامًا مُحطّمة.
ففي منشوره، يُشارك تفاصيل حادثة عامل توصيل شابّ قضى نحبه إثر صدمة سيارة له، وحكاية حرفيٍّ في مجال البناء فارق الحياة بعد سقوطه في أول يومٍ له في موقع العمل، وواقعة عاملٍ لقي حتفه مدفونًا تحت الأنقاض خلال حفر خندق.
يُدرك ماتيو تمامًا خطورة حوادث العمل، ولا يكتفي بمشاركة أخبارها، بل يُعبّر عن استنكاره لهذه الظاهرة من خلال وصفه لها بـ “المذبحة الخفية”.
ويُؤكّد في كتابه “المذبحة الخفية – تحقيق حول ارتفاع عدد الوفيات خلال العمل” على أنّ هذه الحوادث ليست مجرّدَ حوادث عابرة، بل هي ظاهرةٌ ضخمةٌ تُهدّد حياة العمال وتُؤثّر سلبًا على مُستقبلهم.
يُطالب ماتيو، من خلال جهوده، بمحاسبة المسؤولين عن هذه الظاهرة، بدءًا من أصحاب العمل الذين قد يُهملون تطبيق معايير السلامة المهنية، وصولًا إلى السلطات المُقصّرة في فرضها.
منذ سنوات، دأب الخبير ماتيو على إطلاق تحذيرات متكررة حول ارتفاع عدد الوفيات في حوادث العمل المميتة في فرنسا.
وتناغمت هذه التحذيرات مع الواقع المُر، حيث تشير الأرقام إلى ازدياد ملحوظ في عدد ضحايا حوادث العمل خلال عام 2024.
فقد كشفت دراسة حديثة أنّه قد تم تسجيل أكثر من 100 حادث مميت في أماكن العمل منذ بداية العام الجاري فقط.
ويأتي هذا الرقم المخيف تزامناً مع اليوم العالمي للسلامة والصحة في العمل الذي يصادف 28 نيسان/أبريل من كل عام.
يُشير ماتيو ليبين إلى إحدى أهمّ التحديات التي تواجه عملية تتبع حوادث العمل في فرنسا، وهي تعدد الجهات المسؤولة عن تلقي البلاغات.
يختلف مسار الإبلاغ عن حوادث العمل حسب مهنة الضحية، مما يُصعّب عملية جمع البيانات وتحليلها بشكل شامل.
ففي حين أنّ صندوق الضمان الاجتماعي يتولّى تلقي بلاغات حوادث العمل لبعض المهن، مثل المعلمين وعمال البناء وسائقي الشاحنات، لا يشمل ذلك المزارعين الذين يخضعون لنظام التضامن الاجتماعي الزراعي.
وبالمثل، فإنّ الصيادين البحريين لديهم نظام إبلاغ خاص بهم.
يُؤدّي هذا التشتّت إلى فجوات كبيرة في البيانات،مما يُخفي الواقع المُر لحوادث العمل في فرنسا.
ولكن لحسن الحظ،بدأت بعض المبادرات تُساهم في سدّ هذه الفجوات.
فقد قامت مجلة بوليتيس، على سبيل المثال، بجمع بيانات من مختلف الجهات،لتصل إلى رقم صادم: 900 حالة وفاة ناجمة عن حوادث العمل في عام 2022 فقط.
⬛️Il y a trois ans, jour pour jour, décédait Franck Page à Pessac. Agé de 19 ans il effectuait à vélo une livraison de repas pour Uber Eats lorsqu'il a été fauché par un camion. Il travaillait pour financer ses études. Une grosse pensée pour lui, sa famille et tous les livreurs. pic.twitter.com/40GfZRfKyW
— Accident du travail : silence des ouvriers meurent (@DuAccident) January 17, 2022